فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب». أخرجه مالك في الموطأ مرسلًا.
(م) عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم» قال سعيد بن عبد العزيز: جزيرة العرب ما بين الوادي إلى أقصى اليمن إلى تخوم العراق إلى البحر وقال غيره حد جزيرة العرب من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول ومن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام وعرضًا والقسم الثالث سائر بلاد الإسلام فيجوز للكافر أن يقيم فيها بعهد وأمان وذمة ولكن لا يدخلون المساجد إلا بإذن مسلم.
وقوله تعالى: {بعد عامهم هذا} يعني العام الذي حج فيه أبو بكر الصديق بالناس وفيه نادى على براءة وأن لا يحج بعد العام مشرك وهو سنة تسع من الهجرة {وإن خفتم عيلة} يعني فقرًا وفاقة وذلك أن أهل مكة كانت معايشهم من التجارات وكان المشركون يجلبون إلى مكة الطعام ويتجرون فلما منعوا من دخول الحرم خاف أهل مكة من الفقر وضيق العيش فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله وإن خفتم عيلة {فسوف يغنيكم الله من فضله} قال عكرمة: فأغناهم الله بأن أنزل المطر مدرارًا وكثر خيرهم وقال مقاتل: أسلم أهل جدة وصنعاء وجرش من اليمن وجلبوا الميرة الكثيرة إلى مكة فكفاهم الله ما كانوا يخافون وقال الضحاك وقتادة: عوضهم الله منها الجزية فأغناهم بها {إن شاء} قيل: إنما شرط المشيئة في الغنى المطلوب ليكون الإنسان دائم التضرع والابتهال إلى الله تعالى في طلب الخيرات ودفع الآفات وأن يقطع العبد أمله من كل أحد إلا من الله فإنه هو القادر على كل شيء وقيل إن المقصود من ذكر هذا الشرط تعليم رعاية الأدب كما في قوله تبارك وتعالى: {لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} {إن الله عليم} يعني بما يصلحكم {حكيم} يعني أنه تعالى لا يفعل شيئًا إلا عن حكمة وصواب فمن حكمته أن منع المشركين من دخول الحرم وأوجب الجزية والذل والصغار على أهل الكتاب. اهـ.

.قال أبو حيان:

{يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس}
لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليًا أنْ يقرأ على مشركي مكة أول براءة، وينبذ إليهم عهدهم، وأنّ الله بريء من المشركين ورسوله قال أناس: يا أهل مكة ستعلمون ما تلقون من الشدّة وانقطاع السبل وفقد الحمولات فنزلت.
وقيل: لما نزل إنما المشركون نجس، شق على المسلمين وقالوا: من يأتينا بطعامنا، وكانوا يقدمون عليهم بالتجارة، فنزلت: وإن خفتم عيلة الآية.
والجمهور على أنّ المشرك من اتخذ مع الله إلهًا آخر، وعلى أنّ أهل الكتاب ليسوا بمشركين.
ومن العلماء من أطلق عليهم اسم الاشراك لقوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} أي يكفر به.
وقرأ الجمهور: نجس بفتح النون والجيم، وهو مصدر نجس نجسًا أي قذر قذرًا، والظاهر الحكم عليهم بأنهم نجس أي ذوو نجس.
قال ابن عباس، والحسن، وعمر بن عبد العزيز، وغيره: الشرك هو الذي نجسهم، فأعيانهم نجسة كالخمر والكلاب والخنازير.
وقال الحسن: من صافح مشركًا فليتوضأ.
وفي التحرير وبالغ الحسن حتى قال: إن الوضوء يجب من مسِّ المشرك، ولم يأخذ أحد بقول الحسن إلا الهادي من الزيدية.
وقال قتادة، ومعمر بن راشد وغيرهما: وصف المشرك بالنجاسة لأنه جنب، إذ غسله من الجنابة ليس بغسل، وعلى هذا القول يجب الغسل على من أسلم من المشركين، وهو مذهب مالك.
وقال ابن عبد الحكم: لا يجب، ولا شك أنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يجتنبون النجاسات، فجعلوا نجسًا مبالغة في وصفهم بالنجاسة.
وقرأ أبو حيوة: نِجْس بكسر النون وسكون الجيم على تقدير حذف الموصوف، أي: جنس نجس، أو ضرب نجس، وهو اسم فاعل من نجس، فخففوه بعد الاتباع كما قالوا في كبد كبد وكرش كرش.
وقرأ ابن السميفع: أنجاس، فاحتمل أن يكون جمع نجس المصدر كما قالوا أصناف، واحتمل أن يكون جمع نجس اسم فاعل.
وفي النهي عن القربان منعهم عن دخوله والطواف به بحج أو عمرة أو غير ذلك كما كانوا يفعلون في الجاهلية، وهذا النهي من حيث المعنى هو متعلق بالمسلمين، أي لا يتركونهم يقربون المسجد الحرام.
والظاهر أنّ النهي مختص بالمشركين وبالمسجد الحرام، وهذا مذهب أبي حنيفة.
وأباح دخول اليهود والنصارى المسجد الحرام وغيره، ودخول عبدة الأوثان في سائر المساجد.
وقال الزمخشري: إنّ معنى قوله: «فلا يقربوا المسجد الحرام» فلا يحجوا ولا يعتمروا، ويدل على قول عليّ حين نادى ببراءة: لا يحج بعد عامنا هذا مشرك، قال: ولا يمنعون من دخول الحرم، والمسجد الحرام، وسائر المساجد عند أبي حنيفة انتهى.
وقال الشافعي: هي عامة في الكفار، خاصة في المسجد الحرام، فأباح دخول اليهود والنصارى والوثنيين في سائر المساجد.
وقاس مالك جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم على المشركين، وقاس سائر المساجد على المسجد الحرام، ومنع من دخول الجميع في جميع المساجد.
وقال عطاء: المراد بالمسجد الحرام الحرم، وأنّ على المسلمين أنْ لا يمكنوهم من دخوله.
وقيل: المراد من القربان أنْ يمنعوا من تولى المسجد الحرام والقيام بمصالحه، ويعزلوا عن ذلك.
وقال جابر بن عبد الله وقتادة: لا يقرب المسجد الحرام مشرك إلا أن يكون صاحب حرية، أو عبد المسلم، والمعنى بقوله بعد عامهم هذا: هو عام تسع من الهجرة، وهو العام الذي حج فيه أبو بكر أميرًا على الموسم وأتبع بعلي ونودي فيها ببراءة.
وقال قتادة: هو العام العاشر الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعيلة الفقر.
وقرأ ابن مسعود وعلقمة من أصحابه: عائلة وهو مصدر كالعاقبة، أو نعت لمحذوف أي: حالًا عائلة، وإنّ هنا على بابها من الشرط.
وقال عمرو بن قائد: المعنى وإذ خفتم كقولهم: إنْ كنت ابني فأطعني، أي: إذ كنت.
وكون إنْ بمعنى إذ قول مرغوب عنه.
وتقدّم سبب نزول هذه الآية وفضله تعالى.
قال الضحاك: ما فتح عليهم من أخذ الجزية من أهل الذمة.
وقال عكرمة: أغناهم بادرار المطر عليهم، وأسلمت العرب فتمادى حجهم ونحرهم، وأغنى الله من فضله بالجهاد والظهور على الأمم، وعلق الاغناء بالمشيئة لأنه يقع في حق بعض دون بعض وفي وقت دون وقت.
وقيل: لإجراء الحكم على الحكمة، فإنْ اقتضت الحكمة والمصلحة إغناءكم أغناكم.
وقال القرطبي: إعلامًا بأنّ الرزق لا يأتي بحيلة ولا اجتهاد، وإنما هو فضل الله.
ويروي للشافعي:
لو كان بالحيل الغنى لوجدتني ** بنجوم أقطار السماء تعلقي

لكن من رزق الحجا حرم الغنى ** ضدان مفترقان أي تفرق

ومن الدليل على القضاء وكونه ** بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق

إن الله بأحوالكم حكيم لا يعطي ولا يمنع إلا عن حكمة.
وقال ابن عباس: عليم بما يصلحكم، حكيم فيما حكم في المشركين. اهـ.

.قال أبو السعود:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}
وُصفوا بالمصدر مبالغةً كأنهم عينُ النجاسةِ أو هم ذوو نجسٍ لخُبث باطنِهم أو لأن معهم الشركَ الذي هو بمنزلة النجَس أو لأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يجتنبون النجاساتِ فهي ملابسةٌ لهم. عن ابن عباس رضى الله عنهما أن أعيانَهم نجِسةٌ كالكلاب والخنازير، وعن الحسن من صافح مشرِكًا توضأ، وأهلُ المذاهبِ على خلاف هذين القولين، وقرئ نِجْسٌ بكسر النون وسكون الجيم وهو تخفيف نجس ككِبْدٍ في كَبِد كأنه قيل: إنما المشركون جنسٌ نجسٌ أو ضرْبٌ نجس، وأكثرُ ما جاء تابعًا لرِجْس {فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام} تفريعٌ على نجاستهم وإنما نُهي عن القرب للمبالغة أو للمنع عن دخولِ الحرمِ، وهو مذهبُ عطاءٍ، وقيل: المرادُ به النهيُ عن الدخول مطلقًا، وقيل: المرادُ المنعُ عن الحج والعمرةِ وهو مذهبُ أبي حنيفةَ رحمه الله تعالى ويؤيده قوله عز وجل: {بَعْدَ عَامِهِمْ هذا} فإن تقييدَ النهي بذلك يدل على اختصاص المنهيِّ عنه بوقت من أوقات العام، أي لا يحجُّوا ولا يعتمِروا بعد حجِّ عامِهم هذا، وهو عامُ تسعةٍ من الهجرة حين أُمّر أبو بكر رضي الله عنه على الموسم ويدل عليه قولُ عليَ رضي الله عنه حين نادى ببراءة: ألا لا يحُجَّ بعد عامِنا هذا مشركٌ، ولا يُمنعون من دخول الحرمِ والمسجد الحرام وسائرِ المساجدِ عنده، وعند الشافعي يمنعون من المسجد الحرام خاصة، وعند مالك يمنعون من جميع المساجد، ونهيُ المشركين أن يقرَبوه راجعٌ إلى نهي المسلمين عن تمكينهم من ذلك، وقيل: المرادُ أن يُمنعوا من تولي المسجد الحرام والقيامِ بمصالحه ويُعزَلوا عن ذلك.
{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} أي فقرًا بسبب منعِهم من الحج وانقطاعِ ما كانوا يجلُبونه إليكم من الإرفاق والمكاسب، وقرئ عائلةً على أنها مصدرٌ كالعافية أو حالًا عائلة {فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ} من عطائه أو من تفضله بوجهٍ آخَرَ فأرسل الله تعالى السماء عليهم مدرارًا أغزر بها خيرَهم وأكثر ميرَهم وأسلم أهلُ تبالةَ وجرشٍ فحمَلوا إلى مكة الطعامَ وما يُعاش به فكان ذلك أعودَ عليهم مما خافوا العَيلةَ لفواته ثم فتح عليهم البلادَ والغنائمَ وتوجه إليهم الناسُ من أقطار الأرض {إِن شَاء} أن يغنيَكم مشيئةً تابعةً للحِكمة الداعيةِ إليها وإنما قيد ذلك بها لتنقطعَ الآمالُ إلى الله تعالى ولأن الإغناءَ ليس مطردًا بحسب الأفراد والأحوال والأوقات {إِنَّ الله عَلِيمٌ} بمصالحكم {حَكِيمٌ} فيما يُعطي ويمنع. اهـ.

.قال الألوسي:

{يا أيها الذين ءامَنُواْ إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ}
أخبر عنهم بالمصدر للمبالغة كأنهم عين النجاسة، أو المراد ذو ونجس لخبث بواطنهم وفساد عقائدهم أو لأن معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس أو لأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يجتنبون النجاسات فهي ملابسة لهم، وجوز أن يكون {نَجَسٌ} صفة مشبهة وإليه ذهب الجوهري، ولابد حينئذٍ من تقدير موصوف مفرد لفظًا مجموع معنى ليصح الإخبار به عن الجمع أي جنس نجس ونحوه، وتخريج الآية على أحد الأوجه للذكورة هو الذي يقتضيه كلام أكثر الفقهاء حيث ذهبوا إلى أن أعيان المشركين طاهرة ولا فرق بين عبدة الأصنام وغيرهم من أصناف الكفار في ذلك.
وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير.
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صافح مشركًا فليتوضأ أو ليغسل كفيه».
وأخرج ابن مردويه عن هشام بن عروة عن أبيه عن جده قال: استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام فناوله يده فأبى أن يتناولها فقال: يا جبريل ما منعك أن تأخذ بيدي؟ فقال: إنك أخذت بيد يهودي فكرهت أن تمس يدي يدًا قد مستها يد كافر فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ فناوله يده فتناولها وإلى ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مال الإمام الرازي وهو الذي يقتضيه ظاهر الآية ولا يعدل عنه إلا بدليل منفصل.
قيل: وعلى ذلك فلا يحل الشرب من أوانيهم ولا مؤاكلتهم ولا لبس ثيابهم لكن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم والسلف خلافه، واحتمال كونه قبل نزول الآية فهو منسوخ بعيد، والاحتياط لا يخفى.
والاستدلال على طهارتهم بأن أعيانهم لو كانت نجسة ما أمكن بالإيمان طهارتها إذ لا يعقل كون الإيمان مطهرًا، ألا ترى أن الخنزير لو قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله لا يطهر، وإنما يطهر نجس العين بالاستحالة على قول من يرى ذلك وعين الكافر لم تستحل بالإيمان عينًا أخرى ليس بشيء وإن ظنه من تهوله القعقعة شيئًا، لأن الطهارة والنجاسة أمران تابعان لما يفهم من كلام الشارع عليه الصلاة والسلام وليستأمر بوطتين بالاستحالة وعدمها فإذا فهم منه نجاسة شيء في وقت وطهارته في وقت آخر أو ما بالعكس كما في الخمر اتبع وإن لم يكن هناك استحالة وذلك ظاهر.